قامت أربع نساء بإطلاق خريطة التحرش في ديسمبر 2010 مع عدد من الشركاء الفنيين والمستشارين والمتطوعين. التحرش الجنسي الذي نتعرض له كل يوم وتتعرض له كل من نعرفهن تقريبا أثر علينا بشدة. شعرنا أننا لا يمكن أن نستمر في التجاهل والتسامح بصمت مع الآثار المدمرة للتحرش الجنسي على حياتنا اليومية وخياراتنا ومشاعرنا المتعلقة بالشعور بالأمان والفخر في هذا البلد.
معظمنا كان يعمل على قضية التحرش الجنسي لسنوات طويلة قبل هذا التوقيت. أحدنا بدأت برنامج ضد التحرش الجنسي في 2005 أثناء العمل في منظمة لحقوق النساء بالقاهرة، وأدركت مقدار تعرض المتطوعات للتحرش أثناء ذهابهن من وإلى المكتب. كان التحرش الجنسي موضوعا حساسا جدا ويتم السكوت عنه في ذلك الوقت، لكن مع بدء الحديث عنه مع الآخرين أدركنا نحن والمتطوعات أنه ليس قضية معزولة وإنما مشكلة تؤثر على الجميع.
تعلمنا من خبراتنا السابقة أن المقاربة المستندة للجمهور فعالة في تحقيق تقدم بخصوص الأمر. فقد أدت بالفعل لحوار مجتمعي ضخم دفع المجلس القومي للمرأة والعديد من أعضاء البرلمان لسن تشريعات جديدة، وألهم أول قضية ناجحة في المحاكم، وشجع المنظمات غير الحكومية النسائية التي كانت تتردد سابقا في تناول هذا الموضوع على تشكيل قوة عمل لمناهضة التحرش الجنسي مكونة من 18 منظمة.
ورغم هذا، فقدت معظم المنظمات غير الحكومية قبل خريطة التحرش الاهتمام بإشراك الجمهور، وبدأت تركز بدلا من هذا على الدعوة لقانون جديد. وتباطأ التقدم الذي كان قد تحقق في كسر الصمت وبدء تناول الموضوع حتى وصل لحالة ثبات في 2008 و2009.
في عام 2009، عرفت إحدى المتطوعات مؤسسي مبادرتنا ببرامج Frontline SMS و Ushahidi التي هي برامج مجانية يمكن ربطها ببعض لعمل نظام للبلاغات وبناء الخريطة يحافظ على الخصوصية ويمكن استخدامها على الانترنت وعن طريق الرسائل النصية القصيرة. نظرا لأن حوالي 97% من المصريين في ذلك الوقت – نصفهم من النساء – كانوا يمتلكون تليفون محمول، بدت هذه التكنولوجيا فرصة لإعادة إشراك الجمهور في هذه القضية. استغرق الأمر عاما لتطوير النموذج الخاص بنا وقمنا بتحليل الموقف وصياغة مقاربة لاستهداف المناطق التي كنا نرى أنها غير مغطاة ببرامج المنظمات التي تركز على التوعية والتي كانت نشطة في ذلك الوقت بالفعل.
كنا حريصين على ألا تكون خريطة التحرش مجرد خريطة، وكان مهما بالنسبة لنا أن يكون بها مكون مجتمعي قوي يمكن أن يؤدي لتأثير قوي على الأرض. من خبرتنا في العمل في هذه القضية، رأينا أن أحد التحديات الرئيسية التي يجب مواجهتها هي سلبية المارة. في مصر، هناك دائما ناس في الشارع بائعون وحراس عقارات وأفراد شرطة وأشخاص يركنون سياراتهم ويشربون الشاي ويتسامرون. في الماضي، هؤلاء هم من كانوا يحمون الحي، وأي شخص يضبط وهو يتحرش بامرأة تتم مطاردته وحلق رأسه كوصمة عار. كل الناس كانت تأتي للمساعدة ولا أحد يلوم من يتعرض للتحرش. هذه الأيام، المارة غالبا يدعون أنهم لا يرون الموقف أو يتعاطفون مع المتحرش ويقولون لمن تعرض للتحرش أنه/ا السبب أو في أسوأ الاحوال يشتركون في التحرش.
في هذه البيئة، كان رأينا أن الدعوة لقانون جديد بخصوص التحرش الجنسي لن تكون كافية وحدها في سياق لا تطبق فيه القوانين القائمة أصلا لأن التحرش الجنسي لا يُعتبر جريمة أو حتى فعلا خاطئا. لذلك قررنا أن نتناول ما نعتبره مصدر عدم التطبيق وهو القبول المجتمعي.
بناء على هذه القناعات، قمنا بصياغة مقاربتنا لاستهداف الفجوات التي نرى ضرورة مواجهتها لكي يحدث تأثير حقيقي.
تم إطلاق خريطة التحرش في ديسمبر 2010، بالتزامن مع عرض فيلم 678 وهو الفيلم الذي شكل علامة فارقة في تناول السينما لقضية التحرش الجنسي. نقطة البدء هي استخدام تكنولوجيا الإبلاغ ووضع الخرائط لدعم جهود تعبئة المجتمع في الواقع والتوقف عن خلق أعذار للجناة وإقناع الناس بالحديث والتصرف ضد التحرش الجنسي. من الأمور التي تسعدنا أن نرى أنه على مدار السنوات الأخيرة تطور التحرش الجنسي من كونه موضوع تابو إلى موضوع يتم مناقشته على نطاق واسع. فريق المتطوعين معنا مستمر في النمو، ونحن مستمرون في التوسع في عملنا على الأرض وعلى الانترنت.